مبادئ وأسس تعلم الكبار

مبادئ وأسس تعلم الكبار (الأندراغوجيا) Principles and Foundations of Adult Learning (andragogy)

 أشرنا سابقًا في مقال كيف يتعلم البالغون؟ أن للمتعلمين الكبار مجموعة من الخصائص التي تميز تعلمهم عن تعلم الصغار، وأشرنا إلى أنه يجب مراعاة هذه الخصائص عند تصميم أي برنامج تدريبي لكي تتم عملية التعليم والتعلم الخاصة بالكبار بكل نجاح، واستكمالاً لما بدأناه ﻣﻦ خصائص لا بد أن تتعرفوا على أساسيات ومبادئ تعلم الكبار والبالغين فإذا أراد المدربون أو معلمو الكبار النجاح في نقل معلوماتهم بفاعلية للمتعلمين البالغين يجب عليهم مراعاة هذه المبادئ والأسس فبرامج التدريب والتعليم التي تطبق هذه الأسس والمبادئ ستحصد بكل تأكيد نجاحًا عاليًا وفوائد كبيرة تتجلى على هيئة قوى عاملة ذات خبرة مميزة تمتلك في نفس الوقت مهارات التفكير العليا.

أسس ومبادئ تعلم الكبار

لتعليم الكبار مجموعة من الأسس والمبادئ التي يستند إليها وهي:

أولًا: الحاجة إلى المعرفة

يحتاج الكبار إلى معرفة لماذا عليهم تعلم موضوع معين؟ وكيف سيستفيدون منه؟ وما علاقة ما سيتعلموه بحياتهم؟ لذا فإن المهمة الأولى للمدربين ومعلمي الكبار تكمن في أن يعملوا على تنمية الحاجة إلى المعرفة لدى المتعلمين ويأتي ذلك من خلال توضيح قيمة ما يتعلموه فيما يتعلق بخبراتهم وممارساتهم الوظيفية والحياتية من خلال وضعهم في مواقف تجعلهم يشعرون بفائدة ما سيتعلموه وما يمكن أن يفقدوا إذا لم يتعلموه، فبينما يستمتع البعض بالتعلم لمجرد أنهم يتعلمون شيئًا جديدًا إلا أن الكثيرين يجدون أن تفاعلهم  مع المحتوى التعليمي يزداد إذا كان متصلًا مع حياتهم وعملهم سواء كان متعلقًا بأهدافهم أو وظائفهم أو أدوارهم وهنا يأتي دور التأمل وأنشطة التعلم التي تضع المتعلمين أمام سؤال أنفسهم كيف سيستخدمون هذه المعرفة في المستقبل؟ وكيف ستساعدهم في نموهم المهني؟ 

نصيحة عند تطبيق هذا المبدأ

  • عند بدأ أي برنامج تدريبي يجب استعراض الفوائد قصيرة وطويلة الأمد التي سيجنيها المتعلمون مدى الحياة من هذا البرنامج.
  • التنويع في طرق عرض المحتوى مما يسمح بتفاعل المتعلمين مع المحتوى الذي يناسبهم.

ثانيًا: التوجه الذاتي

يُعرّف علم النفس الإنسان العاقل والراشد أنه ذلك الشخص الذي حقق مفهوم الذات لديه بحيث يكون مسؤولًا عن حياته واتخاذ قراراته وتحمل نتائجها، ومما لا شك فيه أن الكبار يمتلكون حسًا عاليًا بالتوجه الذاتي لذلك ينبغي مراعاة ذلك عند تعليمهم لأنهم يستاؤون عندما يشعرون بأن الآخرين يفرضون وصايتهم عليهم، لذا ينبغي أن يشعر المتعلمون الكبار أنهم هم من يصنعون خياراتهم ويأخذون قراراتهم بأنفسهم وأنهم مستقلين في تعلمهم، وينبغي تصميم أنشطة تعلّم تتيح للمتعلمين فرصة توجيه أنفسهم ذاتيًا وقد يساعد في تحقيق ذلك تقديم المادة التدريبية أو التعليمية بعدة وسائل وأساليب تناسب الأنماط المختلفة للمتعلمين.

نصائح عند تطبيق هذا المبدأ

  • توفير مصادر التعلم المختلفة للكبار من كتب ومواقع إلكترونية وروابط وغيرها وجعل الوصول إلى المعلومات سهلًا وبسيطًا كي يسهل على المتعلمين البدء والإكمال في التعلم.
  • استخدام نتائج التعلم السابقة لعرض فائدة وقيمة المواد التعليمية المقدمة.

ثالثًا: دور خبرة المتعلم

إن تعليم الكبار الذي نتحدث عنه في هذا المقال يختلف اختلافًا جذريًا عن تعليم الكبار في برامج محو الأمية فالكبار وفق نظرية مالكولم نولز (Malcolm Knowles)  يمتلكون تجارب وخبرات سابقة من حياتهم الخاصة ويستخدمون هذه التجارب وتلك الخبرات لتسهيل تعلمهم وهذا الأمر بعيد كل البعد عن برامج محو أمية الكبار إذ يعتبر الهدف الأساسي من هذه البرامج هو تعليم الكبار اساسيات القراءة والكتابة في اللغة العربية وأساسيات الحساب في حين تستند نظرية نولز في تعليم الكبار  إلى كمية ونوعية الخبرات التي يمتلكها المتعلمون البالغون وهي بكل تأكيد أكثر مما يمتلكه  المتعلمون الصغار وهذا منطقي جدًا لأنه كلما تقدمنا في الوقت والعمر يصبح لدينا مخزون أكبر من الخبرات وتنوع أكثر فيها.  إلا أن هذا قد يؤثر على تعلّم الكبار بطرق متعددة أهمها:

  • يأتي الكبار إلى الموقف التعليمي بخبراتهم التي تعتبر في حد ذاتها مصدرًا غنيًا لتعلمهم وتعلم غيرهم لذا ينبغي التركيز في تدريب وتعليم الكبار على استخدام أسلوب الحوار والنقاش وحل المشكلات وطرح الأسئلة  التي يتم من خلالها تبادل المعلومات وتشارك الخبرات فيشعر المتعلمون أن خبراتهم وضعت موضع تقدير واحترام وينطلقون في تعلمهم منها.
  • الكبار لديهم قاعدة أوسع من الخبرات التي يربطون فيها الأفكار الجديدة والمهارات ويعطونها معنى جديدًا أكثر خصوبة وغنى.
  • الكبار لديهم اختلافات كثيرة في الاهتمامات والقدرات وأنماط التعلم أكثر من الصغار نظرًا لتنوع الاهداف التي يسعون إلى تحقيقها من التعلم وأيضًا لاختلاف الأعمار وأنواع الخبرات التي مروا بها.
  • مجموعات تعليم الكبار هي مجموعات غير متجانسة الأمر الذي يوجب مزيدًا من الاهتمام بالتوجيه الفردي وبطريقة التعلم التي تلائم كل فرد من أفراد المجموعة.

نصائح عند تطبيق هذا المبدأ

  • دمج الكبار في عملية تعلمهم بشكل أكبر.
  • طرح أمثلة ومواقف واقعية تعتمد إلى حد كبير على مواقف قد يواجهها المتعلمون الكبار في حياتهم اليومية.

رابعًا: الاستعداد للتعلم

يُصبح المتعلمون الكبار مستعدين للتعلم عندما يشعرون بقيمة هذا التعلم في التعامل مع واقع حياتهم ليصبحوا أكثر تكيفًا مع المجتمع الذي يعيشون فيه، لذا ينبغي أن تكون مهام التعلم مرتبطة بشكل أساسي في واقعهم وتؤدي إلى إيجاد حلول لمشاكل يواجهونها في حياتهم أو في عملهم.

نصيحة عند تطبيق هذا المبدأ

  • تصميم أنشطة تعلم واقعية.
  • التركيز على تقديم معرفة يمكن أن يستخدمها المتعلمون فورًا بما يتناسب مع دورهم الوظيفي. 

خامسًا: توجه التعلم

يحتاج المتعلمون الكبار إلى معرفة كيف سيطبّقون ما يتعلموه في واقع حياتهم المهنية وفي حل جميع المشكلات التي يمكن أن تواجههم وبالتالي بنبغي أن تعتمد طريقة تعليمهم مبدأ حل المشكلات.

نصيحة عند تطبيق هذا المبدأ

  • التنويع في الاستراتيجيات المستخدمة في تدريس الكبار واستخدام استراتيجية حل المشكلات من بينها.
  • طرح مواقف وسيناريوهات لمشكلات مختلفة الأنواع وتحتاج إلى حلول من المتعلمين الكبار.

سادسًا: الدافعية للتعلم

معظم المحفّزات الداخلية للتعلم هي الأهم لدى المتعلمين الكبار فمثلًا الحاجة إلى التعلم ورفع مستوى المعرفة تشكل حافزًا أكبر من الحوافز الخارجية المتعلقة بزيادة الراتب أو الترقية وهناك أيضًا حوافز أخرى كالرضا عن العمل والثقة بالنفس وتطوير الذات والتي تعتبر من أهم دوافع المتعلمين الكبار للتعلم والتدريب.

نصيحة عند تطبيق هذا المبدأ

  • ربط المحتوى التعليمي المقدم للمتعلمين الكبار بمسارات التطور المهني (إن أمكن).

لننتقل الآن للحديث عن مجموعة وصايا خاصة بتعليم الكبار والبالغين أوصت بها جين فيلا (Jane Vella) في كتاب (The Power of Adult Education):

  1. الصلة بالموضوع: ترى جين أن أفضل طريقة لتعليم البالغين هي التي تركز على الاستفادة من تجربة المتعلمين ومعرفتهم الخاصة بحيث يجب ربط موضوع التعلم بواقع المتعلمين.
  2. الحوار: أن تكون عملية تعليم الكبار ثنائية الاتجاه وتتيح فرصة التفاعل.
  3. المشاركة: إتاحة فرصة المشاركة من خلال النقاش والتعلم من الأقران.
  4. الفورية: قدرة المتعلمين على تطبيق المعرفة التي تعلموها فورًا.
  5. الاحترام: حاجة المتعلمين الكبار إلى الشعور بالاحترام أثناء تعلمهم.
  6. التأكيد على القدرات: من خلال التعزيز والتشجيع المستمرين.
  7. التأمل: إتاحة الفرصة للمتعلمين الكبار لتأمل تجربة تعلمهم وتحديد مشاعرهم وعواطفهم تجاهها.
  8. البيئة الآمنة: يحتاج المتعلمون الكبار إلى الشعور بالآمان أثناء تعلمهم والشعور بأن مشاركاتهم وأفكارهم سيتم تقديرها ولا يتم الاستخفاف بها أو السخرية منها.

في نهاية هذا المقال اسمحوا لنا بتقديم قاعدتين ذهبيتين للراشدين وتعليم الكبار.

القاعدة الأولى: قاعدة 20 – 40 – 80 

بشكل عام جميع المتعلمين سواء كانوا كبارًا أم صغارًا أو حتى ملتحقين بمحو الأمية يتذكرون المعارف والمعلومات أكثر عندما يتم استخدام الوسائل البصرية ويتذكرونها أكثر وأكثر عندما تتاح الفرصة أمامهم لممارسة ما يتعلموه وهذه القاعدة خير دليل على ذلك فهي تفيد أننا نتذكر 20% مما نسمعه و40% مما نسمعه ونراه و 80% مما نسمعه ونراه ونطبقه.

تذكروا دائما أن هذه القاعدة تصبح ضرورة في عملية التعليم للكبار والصغار أو لمحو الأمية.

القاعدة الثانية: ربط المعرفة + مشاركتها

التعلّم يحدث في معظم الأوقات عندما يتشجع المتعلمون على ربط ما تعلموه بمعرفتهم السابقة وبخبراتهم وآرائهم وعندما يشاركون بفعالية بانتقاء المواضيع التي تهمهم، إضافة إلى أسلوب التعلم الخاص بهم. 

إن قوة تعليم البالغين تكمن في كون الكبار يملكون حتمًا الدوافع النفسية والتربوية والمهنية الأساسية المختلفة التي تهدف إلى تطوير مهاراتهم الحياتية لأنهم يشعورن أنهم بحاجة إلى معرفة وتعلم ما ينعكس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على تطوير أوضاعهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية ولديهم حاجة عميقة وتوجه ذاتي كبير وقدرة عالية على تحديد احتياجاتهم واهتماماتهم التي يجب أن تترجم إلى برامج وأهداف ومناهج تنظر إلى تجربتهم الخاصة ومواردهم الأكثر قيمة وتأخذ بها إلى تجربة تعلم من مستوى آخر تمامًا.

المراجع

الكلمات الدلالية

أحدث المواضيع